ينصب الوصف على الأشخاص والأمكنة والأشياء والوسائل، وله وظائف جمالية ودلالية وتوضيحية تفسيرية. ويقوم الوصف بتمثيل الموجود مسبقا ومحاكاته من أجل الإيهام بوجوده الحقيقي والمرجعي( الإيهام بالواقعية). ويهتم الوصف في الرواية الواقعية بتحديد المجال العام الذي يتحرك فيه الأبطال. ويعني هذا أن الوصف يستخدم في تحديد الخطوط العريضة لديكور الرواية، ثم لإيضاح بعض العناصر التي تتميز بشيء من الأهمية.
ومن العناصر التي تم التركيز عليها وصفا وتشخيصا وتجسيدا تصوير الشخصيات فيزيولوجيا واجتماعيا وأخلاقيا ونفسانيا، كوصف سناء التي أثارت أباها سعيد مهران بوجودها الرائع ؛ لأنه ترك بنته الوحيدة وهي طفلة صغيرة بين الأيدي الخائنة:" وعندما ترامى وقع الأقدام القادمة ، خفق قلب سعيد خفقة موجعة وتطلع إلى الباب وهو يعض على باطن شفتيه. مسح تطلع شيق وحنان جارف جميع عواصف الحنق. وظهرت البنت بعينين داهشتين بين يدي الرجل، ظهرت بعد انتظار طال ألف سنة. وتبدت في فستان أبيض أنيق وشبشب أبيض كشف عن أصابع قدميها المخضبتين. وتطلعت بوجه أسمر وشعر أسود مسبسب فوق الجبين فالتهمتهما روحه."
ويصف الكاتب رؤوف علوان ساخرا من مبادئه الزائفة وثورته الواهمة التي ذهب ضحيتها كثير من الأبرياء والفقراء والبؤساء وزجوا بهم في السجن من أجل أن يستفيدوا من المناصب السامية ويقتسموا الثروة ليعيش الآخرون جوعا وفاقة:" رؤوف علوان، خبرني كيف يغير الدهر الناس على هذا النحو البشع؟! الطالب الثائر. الثورة في شكل طالب. صوتك القوي يترامى إلي عند قدمي أبي في حوش العمارة، قوة توقظ النفس عن طريق الأذن،عن الأمراء والباشوات تتكلم. وبقوة السحر استحال السادة لصوصا. وصورتك لاتنسى وأنت تمشي وسط أقرانك في طريق المديرية بالجلابيب الفضفاضة وتمصون القصب... وكنت بين المستمعين لك عند النخلة التي نبتت عند جذورها قصة حبي وكان الزمان ممن يستمعون لك. الشعب... السرقة... النار المقدسة. الثروة...الجوع....العدالة المذهلة. ويم اعتقلت ارتفعت في نظري إلى السماء. وارتفعت أكثر يوم حميتني عند أول سرقة. ويوم رد حديثك عن السرقة إلي كرامتي. ويوم قلت لي في حزن" سرقات فردية لا قيمة لهان لابد من تنظيم!". ولم أكف عن القراءة والسرقة بعد ذلك. وكنت ترشدني إلى السماء الجديرة بالسرقة. ووجدت في السرقة مجدي وكرامتي. وأغدقت على أناس كان من بينهم للأسف عليش سدرة."
ووصف الكاتب عليش سدرة و زوجته نبوية وخليلته نور في عدة مواضع من الرواية عبر مستويات خارجية واجتماعية وأخلاقية ونفسية تكشف لنا انتهازية عليش وخيانة رؤوف علوان ومكر نبوية واستهتار نور وصفاء الشيخ الجنيدي ونكران سناء لأبيها الخارج من السجن .
وينقل لنا الكاتب أمكنة متناقضة ، البعض منها يوحي بالغنى والثراء كڤيلا رؤوف علوان الغاصة بالأشياء الثمينة، والبعض الآخر يوحي بالفقر والفاقة والخصاص كشقة نور.
وإليكم مقطعا وصفيا يتداخل فيه وصف المكان ووصف الأشياء لتجسيد التفاوت الطبقي والصراع الاجتماعي:" وأضاء خادم النجفة بصر سعيد بمصابيحها الصاعدة ونجومها وأهلتها. وعلى ضوئها المنتشر تجلت مرايا الأركان عاكسة الأضواء، وتبدت التحف الثاوية على الحوامل المذهبة كأنها بعثت من ظلمات التاريخ، وتهاويل السقف وزخارف الأبسطة والمقاعد الوثيرة والوسائد المستقرة عند ملقى الأقدام. وأخيرا استقر البصر على وجه الأستاذ الممتلئ المستدير، ذلك الوجه الذي طالما عشقه وحفظه عن ظهر قلب لطول ما أحدق فيه منصتا. وبينا راح الخادم يفتح بابا مطلا على الحديقة في الجدار الأيسر ويكشف عنه ستائره مضى وهو ينظر إلى الأستاذ ويلحظ الروائع مسترقا."
و يلاحظ أن الكاتب لم يفصل كثيرا في وصف شخصياته وأماكنه وأشيائه كما كان يفعل بلزاك وستندال وفلوبير، بل اكتفى بفقرات موجزة ومقاطع موحية. ولكن وصفه لم يكن مقلا كما هو الحال عند الروائيين الجدد والذي كان يتسم بالإضمار والحذف والاختزال. وقد أحسن نجيب محفوظ وصف الأشياء التي تشير إلى تبرجز المجتمع العربي وشروعه في التأثيث وتملك الأشياء واقتناء التحف والأدوات الثمينة.
جميل الحمداوي